قمة التحول.. سوريا تطرق أبواب الاستثمار من بوابة البيت الأبيض.. بقلم : عبيدة عبد الباقي

قمة التحول.. سوريا تطرق أبواب الاستثمار من بوابة البيت الأبيض.. بقلم : عبيدة عبد الباقي

إعمار سوريا :

في مشهد غير مسبوق منذ استقلال سوريا عام 1946 عقد الرئيس السوري أحمد الشرع لقاء قمة مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض إيذانا بعودة سوريا إلى المسرح الدولي بعد سنوات من الغياب القسري لتشكل هذه القمة خطوة حاسمة في "إعادة كتابة الجغرافيا السياسية في المنطقة" وإعلانا صريحًا عن نهاية مرحلة من العزلة وبداية أخرى من الفعل والتأثير.

نتائج عاجلة

لم تكن القمة السورية الأمريكية وليدة ظرف سياسي عابر بل تتويجا لمسار دبلوماسي طويل قادته القيادة السورية الجديدة بحكمة وحنكة واضعة نصب أعينها هدفا واضحا: إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي في المشهد الدولي، واستعادة السيادة وتحقيق الاستقرار وفتح بوابة الإعمار والاستثمار دون التفريط بمصالح الشعب السوري.

وما إن انتهت القمة حتى بدأت النتائج تتبلور سريعا أبرزها إعلان واشنطن تعليق العمل بقانون قيصر والسماح بنقل معظم السلع الأمريكية المدنية بما في ذلك البرمجيات والتكنولوجيا إلى سوريا دون الحاجة إلى ترخيص في خطوة تؤسس لانطلاقة اقتصادية سورية جديدة عنوانها: التعافي، الشراكة، والنهوض، الإعمار، الاستثمار، والاستقرار.

انعكاسات اقتصادية واعدة

وفقا للتقديرات، فإن تكلفة إعادة إعمار سوريا بعد 14 عامًا من الحرب تقترب من تريليون دولار، وهو رقم ضخم وتعلم القيادة السورية علم اليقين أنه لا يمكن التعامل معه دون انفتاح دولي واستثمارات خارجية ولهذا كرست جهودها لإلغاء العقوبات كوسيلة لفتح الباب أمام تدفق الأموال المجمدة وخلق بيئة قانونية محفزة للقطاع الخاص المحلي والدولي للمساهمة في مشاريع البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا والخدمات، وهذا ما بدأ يتحقق عبر إعلان واشنطن سياسات جديدة تشجع الشركات والبنوك على الانخراط في السوق السورية وتوجه دعوة صريحة لإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس أكثر مرونة واستدامة، وباالتأكيد لن يقتصر هذا الانفتاح على الجانب الأمريكي وإنما سينسحب على شركاء إقليميين ودوليين كانوا ينتظرون إشارة سياسية واضحة للعودة إلى دمشق.

دبلوماسية سورية واعية

ما تحقق في واشنطن لم يكن وليد اللحظة بل هو ثمرة لرؤية دبلوماسية سورية واعية أدركت أن طريق التعافي يمر عبر الحوار وأثمرت في رفع اسم الرئيس الشرع ووزير الداخلية من قوائم العقوبات وتخفيف العقوبات الدولية في مؤشر واضح على رغبة المجتمع الدولي في دعم سوريا ودفع عجلتها نحو النهوض وتوفير بيئة سياسية واقتصادية أكثر انفتاحا، تتيح لها استعادة موقعها الطبيعي في النظام العالمي ليشكل ذلك أساسًا قانونيًا لإطلاق حوار مباشر مع واشنطن يساعد في إعادة دمج سوريا في منظومة الاستقرار الإقليمي وتعزيز فرص التنمية المستدامة.

ولم تكتف الدبلوماسية السورية بكسر الجمود بل نجحت في تحويل التوتر إلى تفاهم والعقوبات إلى فرص حيث تمكنت من ترجمة نتاج عملها إلى تفاهمات سرعان ما ستتحول إلى إجراءات تنفيذية واقعية تعزز الثقة الدولية وتعيد بناء الداخل.

نحو اقتصاد متوازن ومستدام

قيادة سوريا الجديدة التي سخرت جميع جهودها منذ إسقاط النظام البائد لاشك أنها تضع في الحسبان خطة اقتصادية شاملة في المرحلة القادمة تضمن تحسين الخدمات واستقرار سعر صرف الليرة السورية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة ناهيك عن علمها ودراياتها المسبقة بأن الشفافية والحوكمة في إدارة مشاريع الإعمار هي مفتاح ضمان استمرارية الدعم الدولي وتجنب أي انتكاسات محتملة، وهذا يتطلب صك تشريعات وقوانين تكفل تأهيل البنية التحتية التشريعية للاستثمار ووضع رؤى استراتيجية لإدارته بالجدوى الأمثل في كافة القطاعات وتشكيل هيئات متخصصة للمشاريع الاستراتيجية والاستثمارات النوعية إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص ليأخذ دوره الطبيعي في الاقتصاد السوري بما يضمن التوازن بين الانفتاح الاقتصادي والحفاظ على السيادة الوطنية.

وفي المحصلة قمة الشرع _ ترامب لم تكن حدثا سياسيا عابرا بل لحظة تأسيس لتحول استراتيجي يعيد رسم مستقبل سوريا الاقتصادي فبعد سنوات من الحرب والعزلة تشكلت الآن فرصة حقيقية للنهوض مبنية على إرادة سياسية واضحة من القيادة الجديدة لاستعادة سوريا موقعها في النظام العالمي والانطلاق نحو مرحلة من البناء والازدهار تعيد الحياة إلى قطاعاتها الإنتاجية وتمنح شعبها ما يستحقه من استقرار وكرامة ونمو مستدام.